من الطبيعي أن يمنح الآباء أفضل ما يُمكن لطفلهم وذلك نتيجة للعاطفة غير المشروطة التي يُكنّنوها له ورغبتهم برؤيته سعيدًا ومُرتاحًا. غير أنّ محاولة الآباء الدائمة لإرضاء الطفل من شأنها أن تخلق نمطًا غير صحيّ في علاقتهم معه، وبالتالي منح الطفل القدرة على المخادعة والتحايُل.
يُعرّف الخداع على أنّه اللجوء إلى استخدام أساليب غير مباشرة للتحكّم بالسلوك والمشاعر والعلاقات القائمة واستغلالها لصالحنا وذلك غالبًا ما يتمّ بشكل غير عادل. عادة ما يلجأ المُخادع إلى استعمال تأثيره وسحره وقدرته على الإقناع بالإضافة إلى الحِيَل والتضليل. من هنا يجب أن تطرح السؤال على نفسك: هل طفلي يخدعني؟
من جهة، لا تُعتبر رغبة الطفل بتلبية حاجاته تصرّفًا مخادعًا بل هو ببساطة يتصرّف بالطريقة الوحيدة التي يعرفها. يعتقد أطباء الأطفال أنّ الطفل لا يمتلك القدرة المعرفية لخداع أبويه حتى لو كان مُدركًا أو واعيًا لذلك. على سبيل المثال، يبكي الطفل لتلبية حاجاته سواء كانت ناجمة عن شعوره بالجوع أو عدم الارتياح أو الوحدة أو الملل أو المرض أو الألم. البُكاء هو طريقة الطفل في التواصل مع من حوله والاستجابة لتلبية هذه الحاجة لا تعني الرضوخ للخداع بل تأتي من باب الانتباه والرعاية.
من جهة ثانية، يمكن للطفل القادر على الكلام والتعبير عمّا يريد خداع أبويه، فهذا جزءٌ من روتينه اليومي للحصول على ما يريد. قد يستخدم سحره وأنينه أو نقّه للحصول على مبتغاه.
إنّ تحديد السلوك المخادع هو الخطوة الأولى في معالجة هذه المشكلة.
نستعرض في ما يلي الإشارات التي تدلّ على محاولة الطفل الخداع والاستراتيجيات التي يمكن اعتمادها لاستعادة زمام الأمور.
1. الإلحاح: عند استمرار الطفل بطلب الحصول على الشيء ذاته والتصرّف كأنّه لم يسمع ردك على طلبه في المرة الأولى. قد تكون الحالة على الشكل الآتي:
هنا ينبغي السيطرة على أعصابك وعدم التخلي عن إصرارك عند تكرار الطلب مرارًا.
2. الجدال: تتخذ قرارًا لا تدخل في جدالٍ مستمرٍ مع الطفل في محاولةٍ منك استمع لحُججِه من دون إجراء جدالٍ من جديد. اجعله يُدرك أنك تتقبّل النقاش وتستمع للشرح لكنّك اتخذت قرارك ولن يتغير أيًّا كانت الحُجج التي يُقدّمها.
3. عدم الإجابة: إذا طلبت من الطفل إطفاء التابلت أو الحاسوب اللوحي ولم يستجب لطلبك على الرغم من سماعه ما قلته بوضوح وتظاهره بعكس ذلك، فالطفل حينئذٍ قرّر خداعك من خلال عدم تنفيذ طلبك. عندها عليك التوجّه ناحيته والاقتراب منه لتصبح بمستوى نظره والنظر في عينيه وتكرار طلبك بهدوء ومنحه خيارين مثل القول له: "طلبت منك وضع صحنِك في المَجلى، هل تريد القيام بذلك الآن أو بعد غسل يديك؟"
4. عدم الشعور بالمسؤولية: يجب التأكد من تحمّل الطفل عواقب ونتائج تصرّفه بطريقة معيّنة. يعلم الطفل متى يتحايل الآباء كما يعلم أنّه على الرغم من قولهم: "إنّ استخدام الشاشة ممنوعٌ خلال تناول الطعام"، إلّا أنّ بكاءه لمدة دقيقتين كفيلٌ بحصوله على الشاشة خلال تناول الغداء، عندها يتبيّن له أنّ نتائج عدم التقيّد بالتعليمات لم تؤخذ على محمل الجدّ. سوف يستمر الطفل بالتهديد بعدم تناول طعام الغداء حتى تأكّده من عدم وجود تبعات لتصرّفه هذا. أيًّا كانت النتائج التي تُحدّدها كردّ فعل على هذا التصرّف، تأكد من أنّها معقولة وترتبط مباشرة بالتصرّف ويمكن تطبيقها، لكن لا يجب أن تنسى أنّ النتائج ليست نوعّا من أنواع العقاب.
5. الرشوة: إنّ التقيّد بتعليمات معيّنة ليس أمرًا صعب التحقيق لا سيما مع الأطفال الصغار بحيث يكفي وعدهم بالحصول على الحلويات ليلتزموا بها. يجب أن تعلم أنّه عند عرض رشوة على الطفل، فأنت بذلك تعطيه القدرة على التحكّم بالأمور. لماذا؟ لأنّك تكافئه على عدم تنفيذه لطلبك. إنّ الطلب من الطفل إتمام بعض الأعمال المنزلية البسيطة ورفضه القيام بذلك (عدم انصياع) والعودة عن الرفض مقابل الحصول على البسكويت هو خير دليل على قيام الطفل بخداعك.
6. التفاوت في الآراء: إذا اكتشف الطفل أنّ أحد أبويه يُجابه طلبه دائمًا بالرفض وقول "كلا" في حين يوافق الآخر ويجيب بـ"نعم"، عندها من الطبيعي أن يطلب الطفل من أحد أبويه الأكثر تساهلًا. يتعلّم الطفل مهارة التأقلم من خلال المحاولة والفشل. إنّ التمسّك بإجابة واحدة من شأنه أن يُعلّم الطفل أنّ هذا النوع من الخداع لم يعد مُجديًا بعد الآن لكن هذه الاستراتيجية تحتاج إلى التعاون بين الأبوين.
7. استعمال الخداع كتغطية: يتمثّل أحد أوجه الخداع الخفيّ بقول نصف الحقائق أو الكذب بالكامل. يلجأ الطفل إلى هذا النوع من السلوك من أجل الحصول على الأمور الممنوعة عليه بالإجمال. في هذه الحالات، يُعتبر التحدث مع الطفل عاملًا مهمًّا لزيادة الثقة بينك وبينه وتقليل نسبة الخداع والكذب.
بالإضافة إلى ما سبق، يتطلّب فهم الخداع وكيفية التعامل معه إدراك الأسباب الكامنة وراءه. فقد ينتاب الطفل مشاعرَ متداخلةً ويكون عاجزًا عن التعبير حاجاته ومشاعره الحقيقية. عندها يؤدي هذا العجز إلى تلبية الطفل لحاجته من خلال القوة التي يشعر بها عند تحكّمه بأبويه عبر خداعهما. لذلك من الضروري إيجاد فرصٍ يُعبّر فيها الطفل عن مشاعره الحقيقية لأنّ فهمه بدلًا من مكافأته عند مواجهة ظروف صعبة يقلّل من لجوئه للخداع.
الخداع صفة يمكن تعلّمها وتجنّبها على حدّ سواء. يتطلّب توفير الدعم اللازم لاكتساب مهارةٍ جديدةٍ عدم التركيز على الخداع بل على المهارة التي تودّ أن يكتسبها الطفل. امدح طفلك عند قوله الحقيقة وتواصله بشكل واضحٍ وشفافٍ معك بدلًا من معاقبته على اعتماده الخداع، لأنّ ذلك من شأنه أن يزيد من قيامه بتصرفات غير مرغوب بها.