يُعتبر تحديد النّسل أو منع الحمل وقاية مُتعمّدة لتجنّب حدوث الحمل من خلال اللجوء إلى وسائل متعدّدةٍ واعتماد ممارساتٍ جِنسيّة معيّنة وتناول مواد كيميائيةٍ وأدويةٍ أو حتى إجراء عمليةٍ جراحيةٍ. منذ زمن طويل، اعتمدت النساء طُرق منع الحمل غير أنّ أكثرها فعالية وأمانًا هي تلك التي أصبحت متاحةً في القرن العشرين. ثمّة بعض الثقافات التي تضع قيودًا على منع الحمل أو لا تُشجّع على تطبيقه لأنّها تعتبره إجراءًا غير مُحبّذٍ سواء على الصعيد الأخلاقي والديني أو حتى السياسي.
تُقسّم وسائل منع الحمل إلى مجموعاتٍ بحسب نوعها، فثمة أدواتٌ عازلةٌ مثل الواقي وأدواتٌ هرمونيةٌ وأجهزةٌ توضع داخل الرحم والغرسات بالإضافة إلى الخضوع لجراحة التعقيم.
يستطيع الواقي الذكري منع حدوث الحمل بنسبة 80% إذا استُخدِم بطريقةٍ صحيحةٍ. يُصنّع من المطّاط لكن ثمة أنواع أخرى مصنّعة من مواد لا يدخل المطّاط في تصنيعها للأشخاص الذين يعانون من حساسية تجاهه. يمكن استخدام الواقي النسائي بدلًا من الواقي الذكري خلال الجماع لكن لا يمكن استخدامهما سويّة. يُعتبر الواقي النسائي فعالًا في منع الحمل بنسبة 79%. يتوفّر الواقي الذكري والنسائي للجميع ولا يحتاج شراؤه وصفةً طبيةً. كما يُعتبر النوع الوحيد من أدوات منع الحمل التي تحمي من الأمراض المُنتقلة جنسيًا.
أمّا وسيلة العزل الثانية فهي غشاء يوضع داخل المِهبَل، وللحصول على أفضل نتيجة يُفضّل استخدامه مع مبيد النّطاف وهو عبارة عن مادةٍ كيميائيةٍ من شأنها تثبيط عمل الحيوانات المَنوية. يمكن الحصول على هذا الغشاء من دون الحاجة لوصفة طبية. عند استخدام مبيد النُطاف، تتعزّز فعالية الغشاء ليُصبح قادرًا على منع الحمل بنسبة 90%. يجب أن تُدخل المرأة الغشاء قبل بضع ساعاتٍ من الجماع ويُترك لمدة ست ساعات بعد انتهائه ويُزال بعد مرور 24 ساعة. ثمة وسيلة أخرى هي غطاء عُنق الرّحم وهي عبارة عن غطاء ناعم من السيليكون يوضع عميقًا داخل المِهبل ويُغطي عُنق الرّحم لمنع الحيوانات المَنوية من الوصول إلى البويضة. تختلف فعالية هذا الغطاء بحسب مصدره، لكنّه يمنع حدوث الحمل بنسبة تتراوح بين 70 و80%. كما لا يحتاج لوصفةٍ طبيةٍ إلا أنّه لا يحمي من الأمراض المُنتقلة جنسيًا. الوسيلة الثالثة هي الإسفنجة وكسابقاتها يمكن الحصول عليها من دون الحاجة لوصفةٍ طبيةٍ. تُصنّع من رغوة البولي يوريثان وتحتوي على مبيدٍ للنُطف. توضع داخل المِهبل لمنع الحيوانات المَنوية من الدخول للرّحم. تتراوح نسبة فعاليتها بين 76 و88% إذا استُخدمت وحدها، لكن استعمال واقٍ معها يُقلّل من احتمالية حدوث الحمل والإصابة بالأمراض المُنتقلة جنسيًا.
تُعتبر الطرق الهرمونية أكثر فعالية في منع حدوث الحمل بالرغم من آثارها الجانبية على الصحة فهي توقف الدورة الشهرية من خلال منع عملية الإباضة أي إطلاق بويضةٍ للمبايض. لا يحمي هذا النوع من منع الحمل بتاتًا من الإصابة بالأمراض المُنتقلة جنسيًا. ثمة كذلك حبوب منع حمل تُؤخذ حبّة منها يوميًا وتأتي على نوعين هما: الحبة التي تحتوي على هرمون الاستروجين والبروجستين معًا وحبة صغيرة تحتوي هرمونًا واحدًا فقط وهو هرمون البروجستين. يجب تذكّر تناول هذه الحبوب في موعدها المحدّد لأن ذلك يؤثر على فعاليتها التي تُعتبر عاليةً نوعًا ما إذا استُخدمت بالطريقة الصحيحة (تقريبًا 99%). تؤثر هذه الحبوب بشكل إيجابي على البثور وتُقلّل من التشنّجات القوية التي تُرافق أعراض الدورة الشهرية. تُعتبر الدقة في الوقت عاملًا أساسيًا عند استعمال هذه الحبوب لأنّ تناولها بشكل غير مُنتظم يؤثّر سلبًا على فعاليتها. لا تُناسب هذه الحبوب المرأة التي لا تستطيع تناول حبوب منع حملٍ تحتوي على هرمون الاستروجين كما أنّها لا تحميها من الإصابة بالأمراض المُنتقلة جنسيًا. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا النوع من الحبوب لا يمكن الحصول عليه من دون وصفةٍ طبيةٍ.
حبوب منع الحمل الطارئة، تسميتها تُفسّر طريقة عملها، تؤخذ بعد الجماع في حال عدم استخدام وسيلة منع حمل أو الفشل في استخدامها وعندما تشكّ المرأة في احتمالية دخول حيوانات مَنوية إلى المِهبَل. تبقى هذه الحبوب فعالة لمدة خمسة أيام تقريبًا بعد ممارسة الجنس من دون استخدام وسائل حماية. كلّما تم تناول هذه الحبوب مُبكّرًا كانت فعاليتها أكبر. عند تناولها خلال الأيام الثلاث التي تلي عملية الجماع، تمنع هذه الحبوب حدوث الحمل غير المُتوقّع بنسبة 85% تقريبًا. تُباع هذه الحبوب من دون وصفةٍ طبيةٍ غير أنّ آثارها السلبية كثيرة مثل الشعور بالغثيان والتقيؤ وحدوث لخبطةٍ في الدورة الشهرية التالية، فقد تبدأ قبل موعدها المحدّد أو قد يتأخر حدوثها.
ثمة خَيار آخر يمكن استخدامه وهو الرّقعة. تُطلق عند وضعها على البشرة كمياتٍ من هرمونَي الاستروجين والبروجسترون الاصطناعيَين. تصل فعاليتها إلى نسبة 91% عند استخدامها بشكل مثالي وصحيح. تضع المرأة هذه الرّقعة على الظهر والأرداف والمعدة أو على أعلى الذراع لمدة ثلاثة أسابيع قبل إزالتها لمدة أسبوع للسماح للدورة الشهرية بالحدوث. هذه الرّقع متوفرة بسهولةٍ إلّا أنّ استعمالها قد يتسبّب بتهيّج الجلد.
يعطي الطبيب عادة جرعة منع الحمل (حُقنة) مرة كل 12 أسبوعًا وهي فعالة بنسبة 90%. وفقًا لـ"Planned Pregnancy"، قد تتطلّب خصوبة المرأة فترة تصل إلى عشرة أشهر وأحيانًا أكثر لتعود كما كانت عليه بعد توقفها عن أخذ حُقن منع الحمل.
تُعتير الحلقة المِهبلية نوعًا آخر من أدوات منع الحمل. تصل فعاليتها إلى نسبة 99% لكنها تفشل بنسبة 95% في منع حدوث الحمل بسبب عدم استخدامها بالطريقة الصحيحة. توضع هذه الحلقة الصغيرة في المِهبَل لمدة ثلاثة أسابيع وتفرز هرموناتٍ لمنع حدوث الحمل. يجب إزالتها لمدة سبعة أيام للسماح بحدوث الدورة الشهرية ومن ثم وضع حلقةٍ جديدةٍ.
تُعتبر وسائل منع الحمل التي توضع في الرّحم والغرسات موانعَ حملٍ طويلة الأمد وفعّالة بنسبة 99% نظرًا لوجود نسبةٍ ضئيلةٍ لحدوث خطأ بشَري. لكنها في المقابل لا تحمي من الإصابة بالأمراض المُنتقلة جنسيًا. يبقى اللّولب صالحًا لمدة خمس سنواتٍ بعد وضعه ومن ثم يجب استبداله بآخر جديد. لا تمنع هذه الوسائل عملية الإباضة بشكل نهائي لكنها تعمل على زيادة سماكة مُخاط عُنق الرحم لمنع الحيوانات المَنوية من الدخول إلى الرحم. من جهة ثانية، لا يحتوي اللّولب النُحاسي على هرمونات ويعمل السلك النُحاسي الذي يُغطيه على قتل الحيوانات المَنوية التي تدخل الرحم. يمكن للّولب أن يمنع حدوث الحمل لمدة عشر سنوات! يتسبّب استخدام هذه الوسائل حدوث آثارٍ جانبيةٍ من بينها وجود بُقع دمٍ بين الفترة التي تفصل بين الدورات الشهرية والتي بدورها تُصبح غير مُنتظمةٍ فضلًا عن زيادة حدّة التشنّجات المرافقة لها.
في المقابل، تُدخل الغرسة، وهي عبارة عن قطعة بحجم عود ثقابٍ، في ذراع المرأة وتعمل على منع الحمل من خلال إفراز هرمون البروجسترون وبالتالي تمنع حدوث الإباضة. تصل فعاليتها في منع الحمل إلى نسبة 99% ويمكن استبدالها مرة كل ثلاث سنوات.
يُقرّر بعض الأشخاص عدم الإنجاب، فيخضعون لجراحة تعقيم تجعل منهم عقيمين للأبد. يخضع الرجل لعملية قطع القناة الدافِقة بحيث تُقطع القنوات التي تنقل الحيوانات المَنوية. أمّا المرأة، يمكن أن تخضع لعملية ربط الأنابيب بحيث تُسدّ قناتي فالوب. يستمر تأثير عملية العقم على الرجل والمرأة مدى العمر. في بعض الحالات النادرة يمكن استعادة القدرة على الإنجاب إلا أنّ الخصوبة عند الرجل لا تعود كما كانت من قبل.
برأيي، ينبغي على المرأة استخدام موانع الحمل التي لا تحتوي على هرمونات لأنها تقلّل احتمالية حدوث حمل غير مرغوب به كما أنّها غير مُكلِفة، والأهمّ من ذلك أن تأثيراتها الجسدية والنفسية أقلّ خطورة على المدى الطويل. يجب أن تعرف المرأة جميع الخيارات المتاحة أمامها وألا تعتبر أنّ الخَيار الذي يعتمده الطبيب هو الأفضل لها. على الرغم من وجود الكثير من أنواع موانع الحمل التي لا تحتوي على الهرمونات إلا أنّ أفضلها على الإطلاق هي الواقي النسائي، فهو يمنح المرأة جميع الفوائد المذكورة أعلاه كما يمنع فرص الإصابة بالأمراض المُنتقلة جنسيّا.